تقدير موقف | مواقف المواطنين العرب من المشاركة في المظاهرات ضدّ خطّة ليفين

تتابع ورقة الموقف هذه نتائج استطلاع رأي عامّ أجراه مدى الكرمل (سيُعْرَض في مؤتمر مدى الكرمل السنويّ- أيّار 2023)، وفحَصَ -في ما فحَصَ- مواقفَ المجتمع العربيّ تجاه المشارَكة في الاحتجاجات والمظاهرات

تقدير موقف | مواقف المواطنين العرب من المشاركة في المظاهرات ضدّ خطّة ليفين

(Getty)

تناولت ورقة موقف شهر شباط الماضي مواقف المجتمع العربيّ، المتمثّلة في المؤسّسات الرسميّة والأحزاب العربيّة، تجاه حركة الاحتجاج الحاليّة في الشارع الإسرائيليّ ضدّ خطّة وزير القضاء يَريـﭫ ليـﭭـين الرامية إلى تغيير وجه السلطة القضائيّة في إسرائيل.

متابعة مواقف الأحزاب العربيّة، والمؤسَّسات الجمعيّة (كلجنة المتابعة)، ومواقف كتّاب وصحفيّين عرب، عرضت المواقف المتناقضة تجاه المشاركة في الاحتجاجات. فمن جهة، ثمّة أحزاب تدعم وتدعو إلى مشارَكة المجتمع العربيّ في الاحتجاجات، وهنالك أحزاب غير داعمة للمشاركة، إلى جانب موقف لجنة المتابعة الذي أيّد حركة الاحتجاج، لكنّها لم تَدْعُ المواطنين العرب إلى المشارَكة فيها. وجدت ورقة الموقف أنّ المشارَكةَ في المظاهرات أو عدمَها لم تتحوّل إلى قضيّة مركزيّة أو خلافيّة جِدّيّة داخل المجتمع العربيّ، وأنّ الدعوات إلى المشارَكة في المظاهرات، والمشارَكة الفعليّة، كانت متواضعة حتّى الآن، ولم تُقْنع المجتمع العربيّ بالانخراط في الاحتجاج.

لاستكمال قراءة مواقف المجتمع العربيّ، تتابع ورقة الموقف هذه نتائج استطلاع رأي عامّ أجراه مدى الكرمل (سيُعْرَض في مؤتمر مدى الكرمل السنويّ- أيّار 2023)، وفحَصَ -في ما فحَصَ- مواقفَ المجتمع العربيّ تجاه المشارَكة في الاحتجاجات والمظاهرات. نُفِّذ الاستطلاع في نهاية شهر شباط المنصرم في عيّنة تمثيليّة من 508 مشاركين، وطرحنا فيه على المستطلَعين سؤالين عن مشارَكة المجتمع العربيّ في المظاهرات والاحتجاجات. السؤال الأوّل كان: "حسب رأيك، هل يجب على المجتمع العربيّ المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟"، والسؤال الثاني: "ما هو مدى استعدادك أن تشارك شخصيًّا في الاحتجاجات الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟".

في الفقرات التالية، نستعرض إجابات عيّنة المستطلَعة آراؤهم عن هذين السؤالين، ومن ثَمّ نستعرض النتائج وَفْق عدّة مواصفات على مستوى الفرد، بغية الوقوف عند الاختلافات في المواقف الفرديّة.

دعم مشارَكة المجتمع العربيّ في الاحتجاج دون رغبة في المشاركة الشخصيّة

وَفقًا لنتائج الاستطلاع (الجدول 1)، أجاب نحو 57% من المستطلَعين أنّ على المجتمع العربيّ المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء، ونحو 27% أجابوا بالنفي، بينما وافق 12% مع المقولة أنّه يجب على المجتمع العربيّ الاحتجاج داخل البلدات العربيّة.

الجدول 1: حسب رأيك، هل يجب على المجتمع العربيّ المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

مقابل دعم مشاركة المجتمع العربيّ في المظاهرات، نجد أنّ المستطلَعين غير معنيّين في المشاركة الشخصيّة في المظاهرات. فحين سألنا عن الاستعداد للمشارّكة الشخصيّة في المظاهرات، وجدنا (الجدول 2) أنّ غالبيّة المستطلَعين (53%) غير مستعدّين للمشارَكة شخصيًّا في المظاهرات، وَ 30% فقط مستعدّون للمشاركة بدرجات متفاوتة.

يمكن القول إنّ المجتمع العربيّ يعي خطورة خطّة ليـﭭـين وتقييد الجهاز القضائيّ، ويريد أن يشارك المجتمع العربيّ في الاحتجاج، لكنّه لا يريد أن يشارك على نحوٍ شخصيّ، ولا يدعم مظاهرات خاصّة بالمجتمع العربيّ في البلدات العربيّة. قد يكون وراء هذا الموقف عدّة أسباب، من بينها البعد الجغرافيّ لأماكن التظاهر عن البلدات العربيّة وتمَرْكُزها في المركز، وأنّ تجربة المجتمع العربيّ مع قمع الشرطة للمتظاهرين العرب تترك أثرًا سلبيًّا ولا تشجّع على مشارَكة الأفراد، وربّما الشعور بالغربة عن بيئة المظاهرات وشعاراتها لا يشجّع المجتمع العربيّ على المشارَكة، وإلى جانب ذلك قد يكون هذا نتيجة عزوف الأفراد عن المشارَكة السياسيّة على العموم. كلّ هذا يسهم في عدم الرغبة في المشارَكة الشخصيّة.

الجدول 2: ما هو مدى استعدادك لمشاركتك شخصيًّا في الاحتجاجات الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

نتائج الاستطلاع على مستوى الأفراد تعكس الانقسام والاختلافات في مواقف المجتمع العربيّ والأحزاب العربيّة بشأن المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة ضدّ خطّة وزير القضاء يريـﭫ ليـﭭـين، التي تناولناها في ورقة الموقف السابقة (في شباط المنصرم).

المشارَكة وَفقًا للتصويت في الانتخابات الأخيرة

توضّح نتائج الاستطلاع وَفقًا للتصويت في الانتخابات الأخيرة عدم وجود فروق في مواقف المستطلَعين في سؤال مشارَكة المجتمع العربيّ في الاحتجاج، فقد دعم 65% من مصوّتي القائمة العربيّة الموحَّدة مشارَكة المجتمع العربيّ في المظاهرات الاحتجاجيّة، وَ 56% من مصوِّتي الجبهة والعربيّة للتغيير، وَ 60% من مصوّتي التجمُّع. في المقابل، نرى فروقًا جِدّيّة في استعداد الأفراد للمشاركة شخصيًّا في الاحتجاج، إذ نجد أنّ 30% من مصوّتي القائمة العربيّة الموحَّدة وَ 30% من مصوّتي الجبهة والعربيّة للتغيير مستعدّون للمشاركة، وَ 13% فقط من مصوّتي التجمُّع.

الجدول 3: حسب رأيك، هل يجب على المجتمع العربيّ المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

الجدول 4: ما هو مدى استعدادك أن تشارك شخصيًّا في الاحتجاجات الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

المواقف وَفقًا لمستويات التعليم

موقف المستطلَعين حسب سنوات التعليم (الجدول 5) يكشف عن وجود تبايُن في مستويات دعم مشارَكة المجتمع العربيّ في المظاهرات حسب سنوات التعليم، إذ وجدنا دعمًا أعلى لدى المستطلَعين من أصحاب مستويات التعليم المنخفض، وتراجعًا لدى مستويات التعليم العالي، ليعود ويرتفع بعض الشيء لدى الفئة الحاصلة على درجة ماجستير وما فوق. في الإمكان أن يُعْزى مصدر هذه الفروق إلى أنّ ذوي مستويات التعليم العالي مطّلعون أكثر على النقاش القضائيّ والسياسيّ بشأن الخطّة وعلى إسقاطاتها، وعلى كون الصراع صراعًا بين التيّارات الصهيونيّة، ولا يتطرّق إلى مَطالب واحتياجات المجتمع العربيّ، أو ربّما يعكس إدراكًا لدى فئة التعليم العالي أنّ خطّة وزير القضاء قد تُلحِق بهم ضررًا مادّيًّا شخصيًّا إذا تحقّق الضرر الاقتصاديّ المتوقّع من الخطّة. بطبيعة الحال، لا يمكن أن نجزم فقط وَفْق الأسئلة الواردة في الاستطلاع، وفهمُ هذه الفروق يحتاج إلى دراسة أوسع وأعمق.

الجدول 5: حسب رأيك، هل يجب على المجتمع العربيّ المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

كذلك وجدنا أنّ عدم الاستعداد للمشاركة الشخصيّة في المظاهرات (الجدول 6) مرتفع لدى كلّ مستويات التعليم، ما عدا الفئة الحاصلة على درجة ماجستير وما فوق. في المقابل، مستوى الاستعداد للمشارَكة (بدرجات متفاوتة) لدى ذوي مستويات التعليم المنخفض كان أعلى ممّا لدى ذوي مستويات التعليم المرتفعة، بواقع 40% لدى مستوى التعليم الابتدائيّ، وَ 26% لدى مستوى التعليم الإعداديّ، وبعدها يتراجع الاستعداد للمشارَكة إلى نحو 22% لدى فئات التعليم العالي.

الجدول 6: ما هو مدى استعدادك أن تشارك شخصيًّا في الاحتجاجات الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

المشارَكة حسب النوع الاجتماعيّ

نتائج الاستطلاع بيَّنت أنّ ثمّة فروقًا بين المستطلَعين وَفقًا للنوع الاجتماعيّ (الجدول 7)، إذ تدعم النساء المشارَكة في الاحتجاجات أكثر من الرجال: نحو 68% من المستطلَعات، مقابل نحو 52% من المستطلَعين. هذا الدعم ينعكس كذلك في موافقة النساء للمشارَكة على نحوٍ شخصيّ في المظاهرات؛ إذ قالت نحو 30% من النساء (بدرجات متفاوتة) إنّهنّ مستعدّات للمشاركة شخصيًّا في المظاهرات، بينما قال نحو 20% (بدرجات متفاوتة) من الرجال إنّهم مستعدّون للمشارَكة شخصيًّا (الجدول 8).

الجدول 7: حسب رأيك، هل يجب على المجتمع العربيّ المشاركة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

الجدول 8: ما هو مدى استعدادك لمشاركتك شخصيًّا في الاحتجاجات الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

المشارَكة حسب الفئات العمْريّة

تحليل النتائج وَفقًا للفئات العمْريّة يوضّح الفروق في المجتمع العربيّ، إذ نجد أنّ دعم فئات الشباب للمشارَكة في الاحتجاج والمظاهرات أقلّ من دعم الفئات العمْريّة الأكبر لها (الجدول 9). فقد قال 55% من الفئة العمْريّة 18-34 وَ 50% من الفئة العمْريّة 35-44 إنّه تجب المشارَكة، بينما ترتفع النسبة إلى 63% في الفئة العمْريّة 45-54 وإلى 68% في الفئة العمْريّة 55-64، وإلى 60% في الفئة العمْريّة 65 عامًا فصاعدًا.

الجدول 9: حسب رأيك، هل يجب على المجتمع العربيّ المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

الإجابة عن سؤال الاستعداد للمشاركة الشخصيّة توضّح الفروق حسب الأجيال (الجدول 10). فقد قال أكثر من 60% من الفئة العمْريّة 18-34، ومن الفئة العمْريّة 35-44، إنّهم غير مستعدّين للمشاركة شخصيًّا (بدرجات متفاوتة)، بينما تنخفض هذه النسبة في الفئة العمْريّة الأكبر سنًّا: إلى نحو 50% لدى الفئة العمْريّة 45-54، وإلى 43% لدى الفئة العمْريّة 55-64، وإلى 45% لدى الفئة العمْريّة 65 عامًا فصاعدًا.

هذه النتيجة ليست بغريبة؛ إذ تُظهِر استطلاعات الانتخابات السابقة أنّ الأجيال الشابّة هي الأقلّ مشارَكةً في الانتخابات والأبعد عن الحالة السياسيّة في إسرائيل، وهي التي شاركت في هبّة الكرامة عام 2021، وتبتعد عن الصراعات بين المعسكرات الإسرائيليّة. كذلك كشفت دراسة موسَّعة أَجراها الباحث أريك روديتسكي تناولت مشارَكة المجتمع العربيّ في الانتخابات بين عام 2015 وعام 2019، كشفت عن تراجُع مشارَكة الفئات الشابّة في الانتخابات.[1] وفضلًا عن هذا، كشفت دراسة أَجْرتها جمعيّة "بلدنا" عن ابتعاد فئة الشباب عن الانتماءات الحزبيّة والعمل الحزبيّ السياسيّ الـمُمَأْسَس والمنظَّم.[2]

الجدول 10: ما هو مدى استعدادك أن تشارك شخصيًّا في الاحتجاجات الجارية ضدّ تعديلات الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة على جهاز القضاء؟

خاتمة

خلصتْ ورقة الموقف السابقة، الصادرة في شهر شباط الماضي، التي تناولت مواقف الأحزاب العربيّة ومؤسّسات جماعيّة رسميّة وبعض النُّخَب، أنّ قضيّة المشارَكة في المظاهرات الاحتجاجيّة على خطّة وزير القضاء يريـﭫ ليـﭭـين، أو عدم المشارَكة، لم تتحوّل إلى قضيّة مركزيّة أو خلافيّة جِدّيّة داخل المجتمع العربيّ، وأنّ ثمّة جوًّا عامًّا عربيًّا غير مؤيِّد للمشارَكة. هذه الاستنتاجات استندت إلى مراجعة المواقف الرسميّة للأحزاب العربيّة وموقف لجنة المتابعة، ومن هنا تأتي الحاجة إلى فحص مواقف المجتمع العربيّ بواسطة استطلاع للرأي العامّ، ومدى تطابقها مع مواقف الأحزاب والمؤسّسات الجمعيّة.

وضّحت نتائج الاستطلاع أنّ الانقسام القائم على مستوى الأحزاب نجده كذلك على مستوى الأفراد؛ فقد وجدنا أنّ ما يقارب 57% من المستطلَعين يدعمون مشارَكة المجتمع العربيّ في الاحتجاجات، وفي المقابل وجدنا أنّ ما يقارب نصف المجتمع (53%) غير مستعدّ للمشارَكة شخصيًّا في الاحتجاج. هذا التناقض بين الرغبة في مشاركة المجتمع العربيّ وعدم الرغبة في المشاركة الشخصيّة يوضّح أنّ المجتمع العربيّ يدعم حركة الاحتجاج بصورة عامّة، وقد يعي خطورة التعديلات على الجهاز القضائيّ، لكنّه لا يرى مكانًا للمشارَكة الشخصيّة في هذه الحركة.

وجد الاستطلاع فروقًا في دعم مشارَكة المجتمع العربيّ وَفقًا للنوع الاجتماعيّ؛ إذ تدعم النساء مشارَكة المجتمع العربيّ في الاحتجاج أكثر من الرجال. كذلك وَجَد أنّه ثمّة فروق وَفقًا للجيل؛ إذ تدعم الأجيال المتقدّمة سنًّا المشارَكةَ أكثر من الشباب. وكذلك ثمّة فروق وَفقًا لمستوى التعليم، إذ تدعم الشرائح الأقلّ تعليمًا مشارَكة العرب في الاحتجاج.

على الجملة، وجد الاستطلاع أنّ ثمّة انقسامات داخل المجتمع العربيّ حول موضوع المشارَكة في الاحتجاجات، ولم نجد دعمًا جِدّيًّا للبدء في احتجاجات داخل البلدات العربيّة، وأنّ مستوى الرغبة الشخصيّة في المشارَكة أقلّ بكثير من نسبة الدعم العامّ لمشاركة المجتمع العربيّ في الاحتجاجات. هذا الوضع المركَّب يعكس ابتعاد المجتمع العربيّ عن المشاركة السياسيّة عامّة، وكذلك يترجَم في تراجع نِسَب المشارَكة في الانتخابات في السنوات الأخيرة، وغياب موقف جماعيّ متّفَق عليه في المجتمع العربيّ تجاه حركة الاحتجاج، وعدم وجود مشروع جماعيّ يطرحه المجتمع العربيّ في هذه المرحلة، وقد يعكس حالة غربة بين المجتمع العربيّ وأهداف الاحتجاج، ناهيك عن أنّ غالبيّة المظاهرات تكون في بلدات يهوديّة بعيدة عن البلدات العربيّة.


إحالات:

[1] روديتسكي، أريك. (2020). مشارَكة المواطنين الفلسطينيّين في انتخابات الكنيست. أبحاث سياسيّة، رقم 148. المعهد الإسرائيليّ للديمقراطيّة. (ص 52-56). [بالعبريّة]

[2] عنبتاوي، خالد. (2021). الشباب الفلسطينيّون في أراضي الـ 48: تصوُّرات مواقف واحتياجات. جمعيّة الشباب العرب بلدنا. (ص 62-65).

التعليقات